• هل يستطيع العالم الرقمي الآن أن يسبب قطيعة بين الأجيال؟

في هذا الموضوع، نتحدث عن أثر التطور الرقمي، على تفاصيل الأجيال السابقة من الهوية إلى العلاقات الاجتماعية، والتكوين النفسي والاجتماعي للفرد، وهل من الممكن أن نعيش ثقافة جديدة مختلفة عن ثقافتنا التاريخية العريقة، التي نشأنا عليها بين أجدادنا وأجداد أجدادنا

  • التنافسية بين الورق والرقمنة:

نشأت الثقافة الرقمية التي تحل تدريجياً محل ثقافتنا الورقية، ولهذا خطر على تراجع مرجعيتنا التقليدية، بسبب أن الثقافة الرقمية هي أداة التعلم الجديد، وتحقيق الذات رقمياً، وإيجاد الفرص وكل ما قد يستطيع العيش به الانسان من خلال العالم الرقمي.

  • علاقات اجتماعية رقمية:

تتزايد مهارات الجيل الصاعد في العالم التقني، وتتزايد انتقالات علاقاتنا الاجتماعية إلى العلاقات الاجتماعية الافتراضية، وقد لا تعد الهوية التاريخية والعراقة والانتماء والتراث والاصالة أمراً حقيقياً بعد العالم الرقمي، كما وتحولت المرجعية من أجدادنا إلى الشبكة والتقنيات في التواصل الاجتماعي، والتقاليد والتراث إلى مرجعية صورية تقنية، فكل ما كنا نتعلمه من خلال الكبار في عائلتنا، أصبحت الشبكات العنكبوتية أقرب وأوضح لنا، وأدق معلومة.

  • حضارة تفرض سيطرتها:

تمتلك الثقافة الرقمية، حضارة خاصة بها، وأصبح التنميط الثقافي أمر سائد في ثقافة اللبس والأكل والأسلوب والشخصية، فقد نسفت الثقافة الرقمية كل ما قبلها من حدود الزمان والمكان، وبسبب ذلك قد تتحول الهوية الوطنية الثقافية إلى انتماء شكلي فقط لا غير، ولكن يختلف البشر اختلاف جذري عن هويتهم الأصلية في اللبس وطريقة الحديث والقناعات والمبادئ، كما وبدأت اللغة في الخوض في معارك البقاء والثبات، فقد تتلاشى ثقافتنا اللغوية وتراثها القديم، بتداخل اللغات الأخرى، لأننا الآن نعاصر مزيج من العربية المخلوطة بالإنجليزية، ولغة الاختصارات الرقمية من الإعجابات والوجوه التعبيرية بدل التعبير عن المشاعر بالكلمات والكلام، فحتى المعايدات أصبحت تصمم على شكل قوالب للمعايدات والتهاني بدلاً من الأسلوب الحميم والتقليدي في السلام. بالإضافة إلى جيل الأحفاد الذين أصبح أبناؤهم يتكلمون اللغة الإنجليزية ويتفاخرون بها بدلاً من لغتهم الأم، وهذا ما جعل لغتنا تلهث في صدد إثبات وجودها في كل مكان، وزمان، وما يجعل اللغة تلهث سوف يكون مستقبلاً انهيار كامل لديمومة اللغة التراثية الأصيلة واستمراريتها ومعها التاريخ والهوية.

  • كيف من الممكن أن يؤثر العالم الرقمي والإعلام الجديد على هويتنا؟

يسمح الإعلام الجديد لحدوث ثورات متتالية من التعددية والتشاركية، فمع كل مطلع جيل سيكون مضى على الإعلام القديم أزمنة كثيرة، وبدأت تتلاشى الطرق التقليدية لأخذ المعلومات والثقافة، بالإضافة إلا دمج اللغات نظراً لكونها شاملة ولا تخص بيئة أو مجتمع أو مدينة معينه، وإنما هي فضاء واسع يستطيع الاطلاع عليه كل من هم يستخدمون التقنية والانترنت، فبدلاً من حديثنا بشكل كامل باللغة العربية، نفضل الحديث بالإنجليزية نظراً لأنها مفهومة لغالبية المجتمع في قارات العالم، وسيكون الوصول أسهل وأسرع في هذه الحالة، وحتى البحوث والمرجعيات الموثوقة والمعلومات القيمة، تجدها غالباً باللغة الإنجليزية على صفحات الشبكات العنكبوتية.

  • كيف على الأجيال القادمة أن تحافظ على هويتها وتاريخها؟

يقول عالم الاجتماع الاسباني: Manuel Castells

في كتابه: THE POWER OF IDENTITY

السمات الَّتي يتَّسم بها المجتمع الشبكي من الصعود واسع النطاق للتعبيرات القويَّة عن الهُويَّة الجماعيَّة الَّتي تتحدَّى العولمة العالميَّة لمصلحة التفرُّد الثقافيِ، وسيطرة الناس على حياتهم وبيئتهم، فما يلفت النظر في المجتمع الشبكيِ, ظهور ترسخ الهويَة بتعدُّد أنواعها وأطيافها: دينية، قبلية، طائفية، كقوة اجتماعية وسياسية، ما يدفعنا لأن ننظر إلى السمة الثانية، وهي كما يقول:

فقدان الدولة القومية صفة الحامل أو المحرك الوحيد للهوية السياسية”.

  • وقسم الهوية إلى ثلاث أقسام:

  • الهويَّات المشرعنة: وهي الهوية التي تكتسب شرعيتها وقبول سماتها وصفاتها ووجودها في المجتمع.

  • الهويات المقاومة: وهي الَتي تعاني من الإقصاء وعدم الاعتراف في مجتمع ما، وتحاول أن تقاوم هذا التهميش من خلال إثبات حضورها وتمثيل قضاياها المتعدِّدة بأكثر من وسيلة، بينها وسائل الإعلام الرقمي.

  • الهويَّة بحسبانها مشروعاً: وهذه الهويَّة هي هويَّة جديدة تحاول أن تعدِّل في النموذجين السابقين، وتبتكر شكلاً من أشكال الهويَّة يعالج ويكمل النقص فيهما.

  • من الآخر:

ما قد يحدث مستقبلاً سيكون بمثابة طمس لكل ما قد تعودت عليه البشرية في تلقي المعلومات، والاتصال المباشر واللا مباشر بين البشر بعضهم لبعض، وقد تتغير الأفكار والقناعات كما أنها بدأت فعلياً بذلك، وسيتغير المفهوم الحقيقي للهوية، ولن يبقى منها سوى ما يتواجد على الشبكات العنكبوتية، نظراً لتقدم الأجيال، وسرعة العالم الرقمي في التفشي، وقد ينسف هذا العصر كل العصور السابقة بالفكر المتجدد، والهوية التاريخية الراسخة.

ما يحدث من تطور وازدهار وتقدم رقمي، يجعلنا نبدأ من الآن في تثبيت هويتنا للأجيال القادمة، وإضافة مرجعية تاريخية تكون لهم في مستقبلهم، فلا نستطيع أن نتقدم إلا بفضل معرفة ماضينا، ولا نستطيع أن نتطور إن لم يكن لدينا قاعدة سابقة.

    للاشتراك